أخبار العالم

في الذكرى الـ 25 لتقرير المصير، غوتيريش يشيد بنضال تيمور-ليشتي “الملهم”


وفي خطوة مفاجئة، منح المشرعون هناك أمين عام الأمم المتحدة المواطنة الفخرية لبلدهم الواقع جنوب شرق آسيا خلال الاحتفالات في العاصمة ديلي، ليؤكد غوتيريش أنه فخور بكونه الآن جزءا من هذا “الشعب البطل”.

نضال ما كانت تعرف آنذاك باسم تيمور الشرقية لتحرير نفسها من الحكم الاستعماري من قِبل البرتغال ثم من الاحتلال العنيف من قبل إندونيسيا في عام 1976، بلغ ذروته في عام 1999 باستفتاء نظمته الأمم المتحدة في 30 آب/أغسطس.

وفي ذلك الوقت، اعترفت الحكومة الإندونيسية رسميا بالتصويت الساحق لصالح الاستقلال في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام، بعد أسابيع من اشتباكات مميتة ودمار. وبعد ذلك، أشرفت قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة على الانتقال إلى الحكم الذاتي الكامل، ومن ثم ولادة تيمور- ليشتي المستقلة.

احتراف وشجاعة

وأمام أعضاء البرلمان في تيمور- ليشتي، قال الأمين العام: “إنه لشرف لي أن أحمل جنسية هذا الشعب البطل وسأفعل كل شيء حتى يتمكن التيموريون عندما أنتهي من واجباتي من أن يفخروا بما كان بإمكان مواطنهم أن يفعله”.

وتم الإعلان عن منح غوتيريش الجنسية الفخرية من قِبل رئيسة البرلمان الوطني، ماريا فرناندا لاي، أول امرأة ترأس المجلس التشريعي في البلاد، خلال الاحتفال باستفتاء عام 1999، والمعروف محليا باسم “المشاورات الشعبية”.

وأشاد البرلمانيون بالدور الذي لعبه الأمين العام بصفته رئيس وزراء سابق للبرتغال آنذاك، في دعم قضية الشعب التيموري.

وقال غوتيريش إنه في ذلك الوقت اتصل بعدة زعماء عالميين “طالبا منهم استخدام نفوذهم لمنع وقوع مذبحة في تيمور- ليشتي”.

وقد تم تكريم بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية آنذاك (يوناميت) عدة مرات خلال الاحتفال، وذكرها الأمين العام بشكل خاص حيث قال: “لقد أظهر نساء ورجال بعثة يوناميت تفانيا واحترافا كبيرين من خلال تنظيم استفتاء واسع النطاق، في فترة قصيرة من الزمن وعلى الرغم من الترهيب والتهديدات. وبعد الاستفتاء الشعبي، وعندما انتشر العنف، أظهروا مرة أخرى شجاعة هائلة وشعورا بالرسالة”.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أثناء إلقاء كلمته أمام برلمان تيمور- ليشتي.

بذور أمة حرة

لم يستقر الوضع إلا في أيلول/سبتمبر 1999 مع إرسال قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات وافق عليها مجلس الأمن.

وتحدث أمين عام الأمم المتحدة كذلك عن البعثات الأخرى للأمم المتحدة التي ساهمت في إحلال السلام في تيمور- ليشتي. وأشاد غوتيريش بالشجاعة الهائلة والعزيمة الدؤوبة للشعب التيموري، قائلا “العالم لديه الكثير ليتعلمه من تيمور- ليشتي”.

وقالت رئيسة البرلمان، ماريا فرناندا لاي إن التصويت في الاستفتاء مثل ثِقَل 24 عاما من المقاومة للاحتلال الإندونيسي و“زرع بذور أمة حرة وذات سيادة”.

راية ملهمة

أعطى الاستفتاء الذي نظمته الأمم المتحدة في عام 1999 للتيموريين فرصة تاريخية لإظهار تصميمهم على أن يحصلوا على الحكم الذاتي، رغم بيئة العنف والترهيب.

وقبل فجر يوم 30 آب/أغسطس في ذلك العام، غادر الآلاف من التيموريين منازلهم تحت ستر الظلام وساروا لمسافات طويلة، وكانوا عازمين على وضع مبدأ منصوص عليه في المادتين 1 و55 من ميثاق الأمم المتحدة موضع التنفيذ، وهو الحق في تقرير المصير.

وفي مقابلة خاصة مع أخبار الأمم المتحدة في مدينة ديلي عاصمة تيمور- ليشتي، قال الزعيم السابق للمقاومة ورئيس الوزراء الحالي، زانانا غوسماو إن حركة الاستقلال لها جبهات عسكرية وسياسية ودبلوماسية.

وأضاف: “راية الأمم المتحدة كانت ملهمة لنا قبل كل شيء، من حيث القانون الدولي، وحق جميع الشعوب في تقرير المصير والاستقلال. كان هذا هو وجود الأمم المتحدة في روحنا القتالية”.

رئيس البلاد، خوسيه مانويل راموس هورتا، الذي كان زعيما في المنفى خلال فترة المقاومة، قال لأخبار الأمم المتحدة إن الحرب ضد الاحتلال الإندونيسي كانت غير متكافئة و“مستحيلة عسكريا”.

وأضاف أن الاحتلال تسبب في مقتل أكثر من 200 ألف شخص – وهو ما يمثل 25% من سكان تيمور الشرقية في ذلك الوقت، وشمل ذلك استخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة، مثل قنابل النابالم، التي استعملت سابقا لتحقيق تأثير مدمر في حرب فيتنام.

أحد موظفي الأمم المتحدة يساعد الناخبين أثناء الإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع في تيمور الشرقية آنذاك.

United Nations/Michele Zaccheo

أحد موظفي الأمم المتحدة يساعد الناخبين أثناء الإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع في تيمور الشرقية آنذاك.

قصة نجاح

بالنسبة لرئيس تيمور- ليشتي، الحائز على جائزة نوبل للسلام في عام 1996، كان انتصار تيمور الشرقية آنذاك تمرينا في الدبلوماسية والسياسة الجيدة، والذي تضمن الحفاظ على الهوية الثقافية والضغط الدولي.

وقال رئيس البلاد: “كانت تيمور قصة نجاح، وخاصة لأن مجلس الأمن توصل إلى إجماع. ولكن الإجماع تحقق لأن إندونيسيا كانت قد قبلت بالفعل. لو لم تقبل إندونيسيا، التي كانت مهمة للغاية لبعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لما تحقق الإجماع في المجلس”.

لعب الاستفتاء دورا رئيسيا في تكثيف العمل متعدد الأطراف من أجل تيمور الشرقية آنذاك، والضغط على إندونيسيا للتخلي عن السيطرة.

ووفقا لرئيس بعثة الأمم المتحدة في تيمور- الشرقية، إيان مارتن، والتي أنشئت آنذاك في حزيران/يونيو 1999، كانت تلك اللحظة خاصة، حيث نادرا ما أتيحت للمنظمة مثل هذه الفرصة الواضحة “لإعطاء الناس ما كانوا يبحثون عنه”.

وقال مارتن إنه على الرغم من الوجود الدولي للصحفيين و2,300 مراقب للانتخابات، فإن أعمال الترهيب ضد الجمهور والهجمات على مكاتب الأمم المتحدة لم تتوقف أبدا.

وقال مارتن لأخبار الأمم المتحدة: “على الرغم من حقيقة أن البعض قد نزحوا وكانوا مختبئبين في التلال، فقد جاء الناس للتسجيل، وسرعان ما اتضح أننا سنحقق أرقاما تتجاوز أعداد الناخبين التي قدرها الخبراء”.

كان أحد أعظم إنجازات بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية تسجيل 433,576 شخصا للاستفتاء في تيمور الشرقية في غضون 22 يوما فقط. وتضمنت الاستراتيجيات مرونة في تسجيل الأشخاص غير المسجلين والنازحين الذين كانوا خارج مناطقهم الأصلية، ولكن الأهم من ذلك كله هو أساليب الاتصال الإبداعية.

مخاوف من العنف

كانت هناك مخاوف كبيرة من وقوع هجوم مسلح في يوم الاستفتاء. ومع ذلك، قال نيك بيرنباك، رئيس الاتصالات الاستراتيجية في إدارة عمليات السلام، والذي كان يعمل في قسم الإعلام في بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية إنه في أكبر مركز اقتراع كانت هناك “طوابير طويلة من الناس ينتظرون قبل شروق الشمس، لا يريدون تفويت فرصة التصويت”.

وفي المجمل، خرج 98.6 في المائة من سكان تيمور الشرقية المسجلين للتصويت، ومعظمهم فعل ذلك في الساعات الأولى من الصباح.

ولكن في اليوم نفسه، تم الإبلاغ عن أول وفاة لموظف تابع للأمم المتحدة على الأرض، في هجوم طعن في منطقة إرميرا.

وتم إطلاق النار على مروحية تابعة للأمم المتحدة كانت تحمل صناديق الاقتراع من إحدى القرى إلى العاصمة. وبعد بضعة أيام، تم مطاردة قافلة تابعة للأمم المتحدة في ليكويسا وأصيبت بخمس عشرة رصاصة.

وبحلول نهاية المهمة، كان أربعة عشر موظفا أمميا قد لقوا حتفهم أو أصبحوا في عداد المفقودين.

مشاعر مختلطة

وفي خضم تصاعد حوادث العنف بعد التصويت، أعلن إيان مارتن في الرابع من أيلول/سبتمبر النتيجة، التي قرأها في الوقت نفسه الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان في نيويورك، 78.5% من الأصوات، أي 344,580 شخصا رفضوا الحكم الذاتي الخاص المقترح، بينما صوت 94,388 ناخبا، أي 21.5%، لصالح قبوله. وهكذا أصبح الطريق إلى الاستقلال ممهدا.

ويتذكر الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية كيف انتابته مشاعر مختلطة. فمن ناحية، كان يشعر بامتياز الوجود في “أجواء من الابتهاج” وهو يشاهد الاحتفال بالنتيجة، ومن ناحية أخرى كان يشعر بالخوف من التعرض لهجوم في أي لحظة.

وأوضح أنه فور الإعلان عن النتيجة، “حاصرت الميليشيات المكان وبدأت في إشعال النيران في المباني”، ولذلك فقد اقتاده أفراد الأمن إلى مقر بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية “بالملابس التي يرتديها فقط”.

وبعد أيام، تعرض الفندق الذي أُعلِنت فيه نتيجة الاستفتاء للنهب والحرق. وتذكر مارتن أن إطلاق النار المتواصل حول بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية دفع العديد من السكان إلى البحث عن ملجأ تحت علم الأمم المتحدة، وتسلق الجدران المغطاة بالأسلاك الشائكة.

وقال مارتن: “كانت هناك عائلات ترمي أطفالها من فوق الحائط، ورجال شرطة بعثة الأمم المتحدة وغيرهم من الموظفين يلتقطونهم ويساعدونهم”.

لوحة إعلانية ترحب بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تيمور- ليشتي.

لوحة إعلانية ترحب بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تيمور- ليشتي.

راهبة تنقذ 800 شخص

في مكان قريب، في دير الأمهات الكانوسيات، كانت مديرة الدير، الأخت إزميرالدا، تؤوي حوالي 800 نازح بدأوا في الوصول خوفا من العنف في منتصف آب/أغسطس.

وبعد الإعلان عن النتائج، قامت إزميرالدا بعمل شجاع عظيم، حيث واجهت بمفردها مجموعة ضخمة من رجال الميليشيات الذين اقتحموا الدير.

وأمرت الراهبة الجميع بخفض أسلحتهم، ونظمت النازحين البالغ عددهم 800 لاجئ في صفوف وأخذتهم إلى مقر بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية، وسارت على طول صفوف الميليشيات.

ساعدت الراهبة آنذاك في حشد الرعاية الصحية والغذاء لما يقرب من ألفيْ نازح يقيمون في مجمع الأمم المتحدة، الذي تم تحويله إلى مخيم إنساني. وكان الموقع محميا بطوق عسكري إندونيسي، ولكن لم يكن هناك ما يضمن منع الميليشيات فعليا من الدخول.

الراهبة إزميرالدا التي كانت سببا في إنقاذ 800 شخص في تيمور الشرقية في خضم التوتر في 1999.

UN News/Felipe de Carvalho.

الراهبة إزميرالدا التي كانت سببا في إنقاذ 800 شخص في تيمور الشرقية في خضم التوتر في 1999.

حصار البعثة الأممية

نيك بيرنباك، رئيس الاتصالات الاستراتيجية في إدارة عمليات السلام أكد أن إبقاء تيمور الشرقية آنذاك في بؤرة الاهتمام كان أمرا بالغ الأهمية لمنع وقوع مجزرة، بما في ذلك قتل الموظفين الأممين الوطنيين منهم والدوليين.

وباستخدام هاتف احتياطي يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، أجرى المحاصَرون مقابلات مع وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وكان الصحفيون الذين ما زالوا على الأرض يرسلون نسخا إلى مكاتب الأخبار بشكل محموم.

ومع تزايد المخاطر، كان على رئيس البعثة الأممية آنذاك أن يشرع في عملية إجلاء موظفي الأمم المتحدة. لكن إحدى الرسائل الأكثر انتشارا في حملة الاستفتاء كانت أن بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية ستبقى، بغض النظر عن النتيجة.

وفي غياب أي وسيلة لتوفير الأمن، شكل وجود الفرق الدولية الأمل الوحيد لمنع وقوع مجزرة. وفي تلك اللحظة، رفعت الأخت إزميرالدا صوتها مرة أخرى وقالت إنها لن تقبل التخلي عن الشعب التيموري مرة أخرى.

تحرك مجلس الأمن

تطوعت مجموعة من نحو 80 فردا من أعضاء البعثة للبقاء إلى أن يتم التوصل إلى حل يضمن إجلاء السكان بالكامل الذين لجأوا إلى هناك.

وبدأ هذا الحل يقترب من التحقق بعد زيارة حاسمة قام بها أعضاء مجلس الأمن، الذين كانوا يعقدون اجتماعات في جاكرتا. وتوجهوا إلى ديلي في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، برفقة قائد الجيش الإندونيسي الجنرال ويرانتو.

وشاهدت البعثة بنفسها محنة النازحين داخل مجمع بعثة الأمم المتحدة في تيمور الشرقية والدمار الذي لحق بالبلاد، حيث دمر أكثر من 80 في المائة من المباني.

وفي اليوم التالي، أعلنت إندونيسيا أنها ستقبل نشر قوة متعددة الجنسيات. وبهذا القرار، تم إجلاء كل من كانوا في مقر البعثة واحتواء العنف.

ووافق مجلس الأمن على إنشاء القوة الدولية لتيمور الشرقية في الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر 1999، وبدأت عملياتها في العشرين من الشهر ذاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى