قطاع الشحن يدخل عصرا جديدا في مجال المناخ: اتفاق تاريخي يحدث تحولا في التجارة العالمية

تعبر عشرات آلاف السفن الضخمة محيطات العالم يوميا، ناقلة الحبوب والملابس والإلكترونيات والسيارات ومنتجات أخرى لا حصر لها. إلا أن هذه الصناعة الحيوية تأتي بتكلفة إضافية. فالشحن الدولي مسؤول عن 3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
لسنوات، كانت انبعاثات السفن موضوعا معقدا وغالبا ما يؤجل في مناقشات المناخ الدولية. لكن هذا تغير في نيسان/أبريل 2025 عندما اتفق أعضاء المنظمة البحرية الدولية، وهي الهيئة الأممية التي تشرف على لوائح الشحن العالمية، على خطة تاريخية لجعل قطاع الشحن صافي صفري بحلول منتصف القرن تقريبا.
ومستوى الصفر هو المصطلح الذي يصف تحقيق التوازن بين الكربون المنبعث في الغلاف الجوي والكربون المزال منه.
وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة، قال أمين عام المنظمة أرسينيو دومينغيز إن هذا الاتفاق “يظهر أن التعددية والأمم المتحدة لا تزالان مهمتين وضروريتين في هذه الأوقات العصيبة”.
وتطرق إلى المفاوضات المتوترة، والتي غالبا ما اتسمت بالانفعالات، في الدورة الثالثة والثمانين للجنة حماية البيئة البحرية، واصفا الموافقة بأنها التزام من جانب المنظمة البحرية الدولية وقطاع النقل البحري بمكافحة تغير المناخ.
وكان هذا الاتفاق، الذي أُطلق عليه اسم “إطار عمل المنظمة البحرية الدولية للصافي الصفري”، تتويجا لسنوات من المحادثات المضنية بين الدول الأعضاء، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحار وأكبر دول النقل البحري في العالم.
وقال السيد دومينغيز إنه عمل عن كثب مع مندوبي جميع الدول، وأكد أن النهج التعاوني “الذي يتمثل في رؤية جميع الدول الأعضاء تتجمع وتتكاتف لإتمام هذا الاتفاق هو أمر سأظل أتذكره دائما”.
أرسينيو دومينغيز، الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية.
إنجاز كبير استغرق سنوات
لم يحدث إنجاز عام 2025 بين عشية وضحاها، فقد عملت المنظمة البحرية الدولية على معالجة الانبعاثات لأكثر من عقد من الزمان.
في عام 2011، أطلقت أولى التدابير الإلزامية لكفاءة الطاقة في السفن، وفي عام 2018، اتفقت الدول الأعضاء على الاستراتيجية الأولية للمنظمة بشأن خفض انبعاثات غازات الدفيئة من السفن، مسجلة بذلك أولى الأهداف الدولية للحد من تأثير القطاع على المناخ.
وبناء على هذا التقدم، عززت المنظمة طموحاتها عام 2023 ووضعت أهدافا واضحة، بما في ذلك خفض الانبعاثات بنسبة 20٪ على الأقل بحلول عام 2030 و70٪ بحلول عام 2040، والاستخدام التدريجي للوقود ذي الانبعاثات الصفرية أو شبه الصفرية.
ويحوّل “إطار عمل المنظمة البحرية الدولية للصافي الصفري” هذه الخطط إلى لوائح ملزمة. وفي هذا السياق، قال السيد دومينغيز إن التركيز ينصب أولا على تحقيق هدف خفض الانبعاثات بنسبة 20% على الأقل بحلول عام 2030، وتحقيق نسبة 5% على الأقل من استخدام الوقود البديل، “لأن ذلك سيمهد الطريق لمجموعة الإجراءات التالية، ويوضح الآليات أو التدابير الأخرى التي نحتاج إلى تطبيقها”.

حاويات شحن في ميناء جمهورية سان تومي وبرينسيبي.
آلية التجارة العالمية
الاتفاق يتجاوز الفوائد البيئية حيث سيؤثر على آلية التجارة العالمية ذاتها. ففي عام 2023، تجاوز حجم التجارة البحرية 12 مليار طن من البضائع، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وعن هذا، علق السيد دومينغيز قائلا: “حتى الكرسي الذي تجلس عليه الآن، على الأرجح، نُقل بواسطة السفن. فالسفن تنقل الأشياء لأنها أكثر وسائل النقل الجماعي كفاءة. لكن هذا يأتي مع بعض المسؤولية وبعض العيوب”.
على الرغم من بطء قطاع الشحن في تنظيم تأثيره المناخي، إلا أن إطار العمل يغير ذلك من خلال تدبيرين رئيسيين، بما في ذلك تحديد معيار عالمي للوقود لتقليل كثافة غازات الاحتباس الحراري، وآلية تسعير للسفن التي تتجاوز عتبات الانبعاثات.
سيتعين على الجهات الملوثة شراء “وحدات معالجة” أو تعويض انبعاثاتها الزائدة من خلال الاستثمار في صندوق صافي الانبعاثات الصفري التابع للمنظمة البحرية الدولية. ويمكن للسفن التي تعتمد تقنيات الانبعاثات الصفرية أو القريبة منها أن تكسب أرصدة فائضة، مما يحفزها على تقليل انبعاثاتها.
كما يمكن لمالك السفينة الذي يتجاوز حد انبعاثاته شراء أرصدة من سفينة أخرى تجاوزت أهدافها أو المساهمة في الصندوق.
ستستخدم عائدات الصندوق لمكافأة السفن منخفضة الانبعاثات ومساعدة الدول النامية في بناء القدرات ونقل التكنولوجيا والحصول على أنواع وقود بديلة.
وبحسب السيد دومينغيز، ستضمن رقابة الدول الأعضاء والمنظمة البحرية الدولية المساءلة عن التدابير الجديدة. وأكد أن المنظمة تعمل مع الدول الأعضاء، “ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا، لتعزيز تنفيذ صكوك المنظمة البحرية الدولية”.
وقال إن عمليات التصديق والتحقق والتدقيق وإعداد التقارير ستُراقب الامتثال لإطار العمل، وسيتم إبلاغ المنظمة “بكل شيء، ومن ثم نتخذ إجراءات إضافية”.
التوازن بين العمل المناخي والتجارة
ستشمل هذه الإجراءات السفن الكبيرة العابرة للمحيطات التي تتجاوز حمولتها الإجمالية 5000 طن، وهي مسؤولة عن حوالي 85% من انبعاثات القطاع.
وردا على سؤال حول الآثار المحتملة على سلاسل التوريد والتكلفة على المستهلكين، لا سيما بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، أكد السيد دومينغيز أن المنظمة أجرت تقييما شاملا للآثار.
وقال: “هناك ثمن يجب دفعه عند إزالة الكربون وحماية البيئة. كما أن لتلويث البيئة ثمنا أيضا. لذا، فإن كل هذه القواعد، بطبيعة الحال، سيكون لها تأثير. ما ركزنا عليه هو الحد من هذا التأثير قدر الإمكان. وإذا كان هناك تأثير، فإن الإجراءات المالية وآليات التسعير ستدعم تحوّل القطاع”.
سيلعب الابتكار دورا رئيسيا في تحويل القطاع، وتشمل بعض التقنيات الواعدة وقود الأمونيا والهيدروجين، ودفع الرياح، والشحن بمساعدة الطاقة الشمسية، والتقاط الكربون على متن السفن.
وقال أمين عام المنظمة البحرية الدولية إن القواعد وضعت “لتعزيز الابتكار وليس للحد منه”. وأضاف: “نحن نعيد اكتشاف وجود طاقة الرياح في صناعة الشحن، إن جاز لي التعبير… علينا أن نكون منفتحين على كل شيء، وهناك الكثير من العمل الجاري في مجال الوقود البديل”.
وحذر من أن هذا التحول سيتطلب أيضا الاستثمار في تدريب البحارة وإجراءات السلامة اللازمة لهم مع اعتماد مصادر الوقود البديلة. وأضاف: “علينا أن نولي أهمية قصوى عندما يتعلق الموضوع بالبشر”.

بحار على متن سفينة في ميناء فيلكستو في إنكلترا.
“نهج تقدمي”
وقال السيد دومينغيز إن الهدف هو إزالة الكربون للوصول إلى صافي صفر بحلول عام 2050 تقريبا، “لكن هذا لا يعني أننا لا نفعل أي شيء في الوقت الراهن”، مؤكدا أنه “نهج تقدمي” وستكون سنة الامتثال الأولى هي عام 2028.
وسلط الضوء على التزام المنظمة البحرية الدولية بمراجعة العمل وتحسينه بشكل مستمر، وقال: “بالنسبة لنا، لا يقتصر الأمر على الخطوة التالية فحسب، بل ستكون عملية مستمرة من التحليل والمراجعة والمشاركة لجمع الخبرات والمهارات اللازمة لتعديل أو تقديم أي دعم إضافي قد يكون مطلوبا”.
آثار تتعدى الانبعاثات
في حين تتصدر غازات الاحتباس الحراري عناوين الصحف، أوضح الأمين العام أن البصمة البيئية للشحن تتجاوز ثاني أكسيد الكربون، مؤكدا أن “هناك الكثير مما تفعله هذه المنظمة”.
وقال إن إجراءات المنظمة تعالج قضايا مثل التلوث الحيوي – وهو تراكم الكائنات المائية كالطحالب والبرنقيل على هياكل السفن الذي يزيد من قوة السحب واستهلاك الوقود، والضوضاء تحت الماء التي قد تؤثر على الحياة البحرية، وإدارة مياه الصابورة التي تمنع انتقال الأنواع الغازية عبر العالم.
وأضاف: “نأخذ دائما في الاعتبار أن السفن تمس أجزاء كثيرة من البيئة، وعلينا حمايتها”.
الطريق قدما
وقال السيد دومينغيز لأخبار الأمم المتحدة إنه واثق من اعتماد الإطار في الدورة الاستثنائية للمنظمة البحرية الدولية في تشرين الأول/أكتوبر “لأننا أثبتنا للتو أن التعددية لا تزال ذات أهمية، وأن المنظمة البحرية الدولية مستعدة للوفاء بالتزاماتها”.
وأوضح أن الخطوة التالية ستكون معالجة المخاوف ووضع مبادئ توجيهية لتنفيذ التدابير الجديدة، بما في ذلك آلية التسعير.
وقال: “سيساعدنا ذلك على الوفاء بالإطار الزمني الطموح للغاية الذي التزمت به الدول الأعضاء، بحيث نتمكن، بمجرد دخول هذه التعديلات حيز التنفيذ عام 2027، من البدء بإثبات ما تعنيه صناعة النقل البحري عندما تتحدث عن إزالة الكربون بنتائج ملموسة”.
ويرى السيد دومينغيز والعديد من المراقبين أن الاتفاق يمثل انتصارا نادرا للتعددية وبداية جديدة لقطاع بالغ الأهمية. وقال: “الأمر لا يتعلق بما إذا كنا نُحسن التصرف، بل إننا نُحسن التصرف. هذه عملية انتقالية، ونحن نتخذ الآن الخطوات الأولى التي ستقودنا إلى الهدف الرئيسي”.
طعم وكيف دليل المطاعم والكافيهات دليل المطاعم مدن العالم طعام وشراب مقاهي الرياض أخبار ونصائح دليل الرياض كافيهات الرياض جلسات خارجية دليل مقاهي ومطاعم أفضل كافيهات الرياض عوائل
اكتشاف المزيد من موقع fffm
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.